انتصار علمي "لمملكة البحرين" تسجيل براءة اختراع طبي لجامعة "الخليج العربي"

أصبح
البحث العلمي يحتل مكاناً بارزاً في تقدم النهضة العلمية على مستوى
العالم، مما جعل الدول المتقدمة تعيش في سباق مستمر للوصول إلى الحقائق
العلمية وتسجيل براءة الاختراع بأسمائها لخدمة البشرية، إلى حد أن أصبح
العلماء يكشفون النقاب بشكل يومي عن العديد من الاكتشافات الطبية، ويلقون
الضوء على الأسباب الحقيقية التي تقف خلف إصابة الإنسان بالعديد من
الأمراض.

ومؤخرا توصل فريق بحثي من برنامج التقنية الحيوية في جامعة الخليج
العربي لاكتشاف علمي جديد يتعلق بطفرة جينية مرتبطة بمستقبل الدهون
القليلة الكثافة التي تسبب الطفرات فيه مرض ارتفاع الكولسترول الوراثي
الذي يصيب ما يقرب من 15 مليون شخص في العالم ويودي بحياة أكثر من 200000
سنويا، وقد تمكنت الجامعة من الحصول على براءة اختراع لهذا الكشف بعد أن
مر عليه عام كامل أجرت خلاله مؤسسة تسجيل الاكتشافات والاختراعات الدولية
في بريطانيا عملية التحقق من كون الاكتشاف فريدا، خاصة ان الدراسة أجريت
على عائلتين مختلفتين تعود أصولهما لقبيلتين عربيتين مشهورتين تنتمي
إحداهما إلى عدنان والأخرى إلى قحطان ابني سيدنا إسماعيل عليه السلام، حيث
أظهرت الدراسة وجود الطفرة الجينية الفريدة نفسها في كلتا
العائلتين."أخبار الخليج" التقت الأستاذ المشارك في التقنية الحيوية
الطبية قائد الفريق البحثي الدكتور سعيد شاور لمعرفة كيف توصل فريق العمل
إلى هذا الاكتشاف العلمي؟ ولماذا تم اختيار مرض ارتفاع الكولسترول؟ وكيف
استطاعوا الوصول إلى قبيلتي من عدنان وقحطان؟ وغيرها الكثير من الأسئلة
التي أجابنا عنها الدكتور سعيد خلال السطور التالية:
بداية نريد التعرف إلى فريق العمل الذي ساعدك على هذا الاكتشاف؟ ولماذا تم التركيز في الأمراض الوراثية؟
الفريق مكون مني ومن مساعد البحث والتدريس الأستاذ أحمد رسمي رمضان وطالبي
الماجستير الكويتيين محمد الدريس ونجاة حسن علي، وقد تم التركيز في
الأمراض الوراثية نظرا لأن هذه الامراض يمكن السيطرة على معظمها قبل
حدوثها، ثم ان مركز الجينات العربي في دبي سَجل أكثر من 905 أمراض وراثية
في العالم العربي، ولكننا نعتقد أن العدد أكثر من ذلك بكثير، وقد يصل إلى
ثلاثة آلاف مرض، ففي نشرة حديثة وجد في البحرين 108 أمراض وراثية،
والإمارات 240 مرضا، وفي لبنان 150، وعمان 182، وفلسطين 255، والأردن 160،
وتونس 340 مرضا وراثيا، وهناك بعض الأمراض تعد عاملا مشتركا بين أكثر من
دولة، وعلى سبيل المثال يوجد 39 مرضا مشتركا بين البحرين والإمارات، و68
مرضا مشتركا بين البحرين وعمان، وثلاثون مرضا مشتركا بين البحرين وعمان
والإمارات، وهناك العديد من الأمراض الوراثية والخلقية مسئولة عن نسبة
عالية من وفيات الأطفال الرضع وعن معدلات الإعاقة والوفيات في الدول
العربية ولم تنشر.
ما هي أسباب انتشار الأمراض الوراثية في العالم العربي؟ وما تكاليف علاجها؟
من أهم الأسباب كثرة الإنجاب، وزواج الأقرباء حيث تزيد نسبته في بعض الدول
العربية على 60%، وارتفاع سن الإنجاب عند الأبوين "فالنساء ينجبن بعد سن
الأربعين"، بالإضافة إلى انتشار بعض الأمراض الوراثية الشائعة في أنحاء
العالم العربي، منها الاعتلالات الهيموجلوبينية بما فيها (G6PDH) فقر الدم
بسبب نقص هذا الإنزيم (الخميرة) والثلاسيميا وفقر الدم المنجلي وحمى البحر
المتوسط وأمراض أخرى، بالاضافة الى التشوهات الخلقية المختلفة الناجمة عن
الجينات المتنحية والعديد من الأمراض المتعلقة بالأيض.
أما عن
تكاليف العلاج فقد ذكر المركز العربي للجينات في دبي في إحصائية عام 2007
أن الدول العربية تنفق ما يزيد على 30 بليون دولار سنويا على علاج هذه
الأمراض. كذلك نعتقد ان هذا الرقم أقل من الواقع ولا تدخل فيه التكاليف
غير المباشرة كتعطيل الإنتاج والعناية بالمريض وغيرهما.
حدثنا عن الأسباب الرئيسية لارتفاع الكولسترول في الدم.
بداية، الكولسترول يلعب دورا مهما في الجسم ولا يمكن للخلايا أن تستغني
عنه بأي حال، فهو يدخل في بناء الهرمونات الستيرويدية والأملاح الصفراوية
وفيتامين (د)، ويلعب مهمة المنظم الحراري للغشاء الخلوي لكل خلايا الجسم،
ويمكن للجسم أن يصنعه أو أن يأخذه بالغذاء. لكن كما يقول المثل "إن زاد
الأمر عن حده، انقلب إلى ضده" وعليه فان كلمة ارتفاع تفيد أن تركيز
الكولسترول زاد في الجسم على ما يجب.
ثم هناك نوعان رئيسيان لارتفاع
الكولسترول بشكل عام في الدم: أولي وثانوي، النوع الثانوي ينتج عن الإصابة
ببعض الأمراض مثل السكري وارتفاع ضغط الدم والفشل الكبدي أو تعاطي أدوية
معينة، أما النوع الأولي لارتفاع الكولسترول فيعود لعدة أسباب منها التقدم
في العمر، والتدخين، وقلة الحركة، والنظام الغذائي السيئ، وأيضا نتيجة
الأمراض الوراثية، واعتقد ان ارتفاع الكولسترول الأولي والثانوي يصيب أكثر
من 25% من سكان المنطقة.
ما هو مرض الكولسترول الوراثي؟
مرض
ارتفاع الكولسترول الوراثي هو مرض سائد أحادي الجين سببه خلل في المورث
المسئول عن مستقبل الكولسترول ذي الكثافة المنخفضة (LDL-R). ينتج المرض
بسبب طفرات في المستقبل، ومرض ارتفاع الكولسترول الوراثي عامل رئيسي في
انتشار أمراض القلب المبكرة، ويسبب السكتة القلبية وتجلطات في القلب
والدماغ والأوعية الدموية وهو مرض قاتل وصامت في آن واحد. ويصل عدد
المصابين به إلى 12- 15 مليون شخص في العالم ويودي بحياة ما يقارب 200000
شخص سنويا.
لماذا اهتم فريق العمل بالبحث في مرض ارتفاع الكولسترول على وجه الخصوص؟
عمدنا إلى دراسة هذا المرض على وجه الخصوص نظرا لأنه أولا مرض صامت..
قاتل، وثانيا أن المرض غير مدرج حتى في قائمة المركز العربي للأمراض
الوراثية بدبي. وقد أشارت دراسات سابقة في مختبراتنا إلى ان نسبة مرضى
ارتفاع الكولسترول سواء كان أوليا أو ثانويا تزيد على 25% بين المواطنين
والمقيمين في البحرين، بالإضافة إلى عدم وجود قواعد بيانات عن انتشار
المرض في الدول العربية وخاصة في بلدان الخليج العربي أو الطفرات التي
تسبب المرض عند العرب.
كيف بدأت فكرة البحث العلمي بشأن هذا المرض؟
بدأ الاكتشاف بعثورنا على الطفرة بالمصادفة عندما سلسلنا الجين (DNA
Sequencing) في إحدى العائلات التي كنا ندرسها فوجدنا فقدا لـ 10
نيوكلتيدات في أحد الأجزاء المهمة من الجين يؤدي إلى توقف مبكر في صناعة
البروتين الخاص بمستقبل الكولسترول ذي الكثافة المنخفضة، ويسبب بتراً في
البروتين وهذا البتر يؤدي إلى عدم تصنيع المستقبل طبيعيا وعدم قدرته على
التعبير على الغشاء الخلوي أو سطح الخلايا، ووجدنا الطفرة عينها في العائلة
الأخرى التي كنا ندرسها، المهم أن حبك القصة بدأ عندما وجدنا أننا أمام
نمط واحد من الطفرات في عائلتين متباعدتين. الحقيقة أن كل اكتشاف كان
يقودنا إلى الخطوة التالية من الأبحاث وقد وَلد فينا الفضول للتعرف على
المجهول.
قمتم بإجراء تجارب على قبيلتي قحطان وعدنان فكيف فكرتم فيهما؟ وكيف استطعتم التوصل إليهما؟
لم تكن الفكرة في أبحاثنا أن ندرس التاريخ بل كانت علمية بحتة، ولكن
النتائج ساقتنا للتعمق في دراسة التاريخ وسألنا أصحاب الرأي في ذلك، فقد
عدنا لبعض المختصين في التاريخ مثل الأستاذ الدكتور إحسان النص رئيس مجمع
اللغة العربية في دمشق ومؤلف كتاب القبائل العربية: أنسابها وأعلامها
والأستاذ الدكتور غيثان ال جريس أستاذ التاريخ في جامعة أبها وكذلك المشرف
على الموقع الالكتروني لإحدى القبيلتين فزودونا بالمعلومات التاريخية
اللازمة لاكتشافنا وتبين أن إحدى هاتين القبيلتين قحطانية والأخرى عدنانية.

هل نسبة الإصابة بهذا المرض تختلف من جنسية إلى أخرى؟ ومن بيئة إلى أخرى؟
الجنسية والبيئة ليستا مهمتين في انتشار هذا المرض لكن الأصل مهم في ذلك،
فعلى سبيل المثال قبل 25 سنة كشف فريق بحثي بقيادة براون وجولدستين -
الحائزين جائزة نوبل في الطب -الأليل اللبناني في مستقبل الكولسترول القليل
الكثافة وهي طفرة تسبب ارتفاع الكولسترول عند المسيحيين اللبنانيين وتبين
أن نسبة عالية من البرازيليين المصابين بارتفاع الكولسترول الوراثي في
الدم يحملون الطفرة نفسها. والتفسير بسيط أن نسبة البرازيليين من أصل
لبناني هو عالٍ أيضا. وعليه فإننا نعتقد أن انتشار العرب من الجزيرة
العربية بأي اتجاه سينقل الطفرة.
إن نسبة الانتشار العالمي لمتغير
الأليل Heterozygous لدى مرضى ارتفاع الكولسترول الوراثي هي 1/500 شخص،
والمتماثل الأليل (Homozygous) هي واحد لكل مليون شخص، هذه النسبة تتغير
حسب المنطقة ففي فنلندا وعند مسيحيي لبنان والكنديين من أصول فرنسية ترتفع
النسبة لتصل إلى 1/70، وعليه لو اعتبرنا أن العائلتين اللتين قمنا
بدراستهما هما الوحيدتان المصابتان بارتفاع الكولسترول الوراثي في ذلك
البلد الخليجي وأفرادهما الـ 19 المصابين لأصبحت النسبة 1/80 و1/100000
يعني أن النسبة زادت من 7 إلى 10 أضعاف على المعدلات العالمية بأقل تقدير.

ما فائدة هذا الاكتشاف؟
إن الاكتشاف يسهم في عملية التشخيص
المبكر للمرض بما فيها تشخيص ما قبل الإنجاب عند المصابين بالمرض، إضافة
إلى إمكانية استخدامه في المسح الميداني لهذا المرض القاتل لتقدير انتشار
المرض في المجتمع وعلاجه باكرا، وما يترتب عليه من تقليل الإنفاق على
المرض ومضاعفاته من المؤسسات الصحية العربية، وإنه من الممكن ان تكون
الطفرة بداية لاكتشاف علمي يعالج ارتفاع كولسترول الدم جينيا في المستقبل.

ما الخطوات التي تم اتباعها لتسجيل براءة الاختراع باسم جامعة الخليج؟
الحقيقة أننا تقدمنا لشركة علمية حقوقية بريطانية لتسجيل الطفرة على أنها
فريدة وجديدة لمستقبل الكولسترول، الشركة أخبرتنا أنه لابد من التحقق من
المعلومات التي زودناها بها ولم يسبقنا إليها أحد، عملية التحقق تأخذ سنة
كاملة، وبعد أن صدرت براءة الاختراع في أوروبا، قمنا بتسجيلها عالميا.
هل تود توجيه كلمة بهذه المناسبة؟
أولا: أود أن أهمس في آذان المسئولين وصناع القرار أنه من المعروف قطعاً
في الأوساط العلمية والبحثية أن مردود كل سنت ينفق في مجالات البحث
والتطوير العلميين يكون دولاراً إن لم يكن أكثر، وعليه فإن الاستثمار في
الأبحاث العلمية من أفضل أنواع الاستثمار.
ثانيا: يجب إيجاد
استراتيجيات للوقاية من الأمراض الوراثية في هذه المنطقة لتشمل تكامل علم
وراثة المجتمع والإرشاد الوراثي في نظام الرعاية الصحية الأولية،
والتعليم، وتعزيز الخدمات القائمة لتقليص الأمراض الوراثية.
ثم باسم
الفريق البحثي نتقدم بجزيل شكرنا لجميع المسئولين في جامعة الخليج العربي
خاصة رئيس الجامعة د. خالد العوهلي ونائبه د. خالد طبارة وعميد كلية
الدراسات العليا د. وليد زيباري ورئيس البرنامج د. محمد الدهماني وكذلك
رئيسة الجامعة السابقة د. رفيعة غباش لتبني هذا الاكتشاف وتسجيله عالميا
بالإضافة إلى تشجيعهم المستمر على البحث والتطوير.
كما نتقدم بجزيل
شكرنا لكل الذين مدوا يد العون والمساعدة لنا وبالأخص للعائلتين
لتعاونهما، والعديد من الزملاء في جامعة الكويت ومركز شفلح للأمراض
الوراثية في قطر وجامعة الإمارات في العين ومستشفى سعد في الخبر وخبراء
التاريخ في سوريا والسعودية والزملاء في جامعة الخليج العربي للنقاشات
العلمية لإخراج الاكتشاف إلى حيز الوجود بصورته الحالية.

مشكور على الموضوع بس

الخط مو واضح lol!

» العالم العربي دخل القرن الحادي والعشرين مثقل بسبعين مليون أمي معظمهم من النساء